مقالات واراء

عبدالعال والأمن القومى!..بقلم | حمدى رزق

حمدى رزق

حمدى رزق

وقد مر مفهوم الأمن القومى بمرحلتين مهمتين، نتيجة التطورات العالمية، فى المرحلة الأولى كان ينظر إليه بالنظرة الاستراتيجية الضيقة، وهى صد هجوم عسكرى معادٍ، وحماية الحدود من الغزوات الخارجية، والمحافظة على الاستقلال الوطنى، وفى الثانية صار على الدولة أن تؤمن مواطنيها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ضد أخطار متعددة فرضتها طبيعة الانفتاح الواسع على العصر الحديث.

هل راجع الدكتور على عبدالعال محددات الأمن القومى المصرى فى مراجعه الحديثة، قبل أن يسك مصطلحه الغريب، بأن تسريب موازنة البرلمان جريمة أمن قومى؟، أخشى أنها لا تدرج تحت بند جرائم الأمن القومى توصيفاً، كما أن خلع عباءة الأمن القومى على موازنة البرلمان لا يستقيم بالكلية، وإضفاء السرية على هذه الموازنة يناقض حالة الإفصاح والشفافية التى يجب أن يتحلى بها البرلمان ورئيسه فى مرحلة التقشف التى تمر بها البلاد.

لن أذهب إلى مناقشة بنود الموازنة، هناك من هو أجدر بمناقشتها على أسس برلمانية واقتصادية، أذهب إلى إضفاء صفة الأمن القومى على موازنة البرلمان، لا أهضم التهديد بمقتضيات الأمن القومى، هذا من مخلفات زمن مضى، وتعبير الأمن القومى فضفاض، واللجوء إليه فى هذه الحالة من غير حالات الضرورة القصوى التى تتطلبها مقتضيات الأمن القومى، هو نزوع نحو إخفاء ما يجب أن يعلن على الشعب، متى كانت موازنة البرلمان سراً حربياً أو من مقتضيات الأمن القومى؟..

كان حريًّا برئيس المجلس أن ينفتح على الصحافة ومنها على الشعب، ويرد على التساؤلات حول البدلات والمقررات، ويقف أمام الشارع وقفة حساب، ويتقبل الحساب على كل بند، ويقيناً لديه ما يقوله حول كل رقم، التجهيل ليس فى صالح البرلمان، ويفقد البرلمان ثقة الشارع المتقشف طوعاً أو كرهاً.

رئيس المجلس ينطلق من أرضية تقول إن البرلمان مستهدف من أصحاب الأجندات، ويصرح بهذا كثيراً، وحتى هذا لو صح توقعاً، ما هو الغريب فى هذا؟، الدولة المصرية جميعها مستهدفة، لم تأت بجديد على الأسماع، ولكن انعدام الشفافية، وحجب المعلومات، وافتقاد التواصل مع الشارع، وإخفاء الموازنة واعتبارها من مقتضيات الأمن القومى، هذا ما يُمكّن الخصوم والروافض من رجم البرلمان.

هل الموازنة سر؟. هل هناك بنود سرية تخشى عليها من إفصاح؟. هل بدلات الجلسات أمن قومى؟، هل بدلات الانتقال سر قومى؟.. استخدام الألفاظ والتوصيفات الضخمة لا يوفر حماية خاصة لموازنة البرلمان، أبعاد الأمن القومى الخمسة (سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً) يقيناً تخلو من مكافآت وحوافز نواب البرلمان.

عجباً، موازنة رئاسة الجمهورية باتت متداولة بين أيدى أعضاء الجهاز المركزى للمحاسبات، وتاريخياً، لم تدرج موازنة البرلمان تحت البند «صفر» فى الموازنة، ولن تدرج على هذا المستوى فى أى وقت، وإضفاء عبارة الأمن القومى استخدام فى غير محله، إذا قصد به تخويفاً لم يعد أحد يخاف، وإذا قصد به تلميحاً بقضية وبلاغ، أى جريمة فى نشر موازنة تقتطع من لحم الحى من ضرائب المواطنين، وطالما موازنة البرلمان من قلب الموازنة العامة حق عليها المراقبة الشعبية.

عجيب أمر رئيس البرلمان.. منحناه الثقة ليؤدى مهمتين اثنتين بالعدد: الرقابة والتشريع، تشريعاً استثنى ما يتحصل عليه نواب البرلمان من الضريبة، فى استحلال معيب لسلطة التشريع لصالح فئة من المواطنين بالاستثناء، ورقابياً كبرلمان مكلف من الشعب وبالدستور بالرقابة على أموال الشعب فى بنود الموازنة الحكومية، إذا كانت موازنة البرلمان أمناً قومياً فموازنة الدولة أمن قومى، وطالما الموازنة أمن قومى فلِمَ يناقشها البرلمان ويقف على بنودها؟، كيف تراقب موازنة الوزارات والهيئات، والبرلمان متحفظ على نشر موازنته؟، انشرها وتوكل!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى