مقالات واراء

بين رقصة إزميرالدا وغائط الشيخ.. حسام السكرى

اسمها إزميرالدا كالبونى. برازيلية ممشوقة تحب الرقص الشرقى. تمارسه وتشارك فى مهرجانات عشاقه. رأيتها فى مقطع فيديو قصير ترقص أمام مجموعة صغيرة من السيدات. خلفها مرآة بارتفاع الحائط تعكس حركات جسدها البض وهو يتموج مع ترددات الموسيقى، كما تنعكس عليها صورة محباتها المفتونات بأدائها الناعم وهن يرفعن الهواتف المحمولة لتسجيل كل حركة من حركاتها.
المقطوعة الموسيقية فى هذا المقطع اسمها «تشا تشا على النيل». آلة الترومبيت هى الآلة الرئيسية التى تقود الأوركسترا بحساسية تستجيب لها إزميرالدا بشغف. تتصاعد الأنغام وتكاد تراها تلتف حول الراقصة الفاتنة التى تتجاوب معها نغمة نغمة بتمويجات اليد وحركات الرأس وابتسامة واسعة وأناقة بالغة فى الأداء. إزميرالدا لا ترقص لأحد ولا تبتسم لأحد، ولكنها تحتفل ببهجتها الخاصة التى تصيب عدواها الجميع. إيقاع هادئ ورتيب يدخلها ومشاهديها فى حالة وجد حقيقى، تنهيه بصفقة مباغتة، وكلمة «ياللا» بلكنة محببة، فتتفجر البهجة وسط الحضور، وتفيض ابتسامتها الفاتنة لتحتضن من حضر ومن شاهد.
لا أعرف الكثير مما يدخل البهجة على القلب والروح مثل هذا المقطع الذى لا يزيد طوله على دقيقة وثانية واحدة. بحثت عن رقصات إزميرالدا وحفلاتها ولم أجد فيها دقيقة كهذه الدقيقة السماوية المرهفة. وضعت المقطع على صفحتى فى فيسبوك متمنيا للأصدقاء عيدا من البهجة والفرح فكانت المفاجأة!.
أكذب إن قلت إن الفيديو أثار استياء عاما. على العكس. فتنت إزميرالدا الكثيرين وتجاوز عدد مشاهدى الفيديو عشرين ألفا فى أقل من يوم. اعتبرها البعض هدية العيد بالفعل، وكتب أحدهم «هذا أفضل ما رأيت منذ زمن».
فى الوقت ذاته بدأ نزيف المتابعين، فقدت عشرات منهم فى ساعات وانهمرت التعليقات الغاضبة: «ضيعت وقتنا. لم نتابعك من أجل هذا»، «الرقص الشرقى حركات تقوم الزوجة بها أمام زوجها كمقدمة للجماع»، «تضع مقطعا لراقصة بينما يكمل ملايين المسلمين شعائر الحج!!»، «أحب الفن ولكننى كنت أتوقع أن أشاهد أدعية وتبريكات لا رقصا، بعد العودة من صلاة العيد. لكل مقام مقال».
أعتقد البعض خطأ أننى أتعمد صدمتهم، أو افتعال مواقف «أبحث بها عن الشهرة». فكرت فى «الجرم» الذى ارتكبته وتساءلت: هل يوجد تناقض بالفعل بين الرقص وبين الاحتفال بالعيد؟! متى الرقص إذن إن لم يكن فى الأعياد؟!
فى العرف الشعبى وحتى بين الكثيرين فى أوساط النخبة المثقفة: الرقص دعارة، والجسد وكل ما يتصل به وبحركاته وتعبيراته شهوة ودنس. هكذا تربينا وهكذا تشكلت مواقفنا ومفاهيمنا فى مجتمع يعانى من ازدواجية مرعبة بين ما يظن أنه «أخلاقى ودينى»، وبين نزوعه الفطرى للتعبير بفن أخرج للعالم أعظم نجماته. قليلا ما يصدر صوت هنا أو هناك لمراجعة متعقلة. هذا ما فعله المفكر الإسلامى جمال البنا عندما كتب مقالا ينصف الرقص. لن تجد المقال بسهولة على الإنترنت، ولكنك ستجد عشرات من الموضوعات الغاضبة التى تفند ما جاء فيه وتنتقد كاتبه.
لا تتسع المساحة هنا لمناقشة الكيفية التى وصلنا بها إلى الحد الذى يصبح فيه الرقص عند البعض شذوذا مخالفا لثقافة الأعياد، ولكننى لا أستطيع أن أطرد من رأسى سؤالا طرأ عليه:
فى الأسبوع الماضى انتشر مقطع فيديو آخر. ليس لراقصة هذه المرة ولكنه للشيخ محمد حسين يعقوب. أحد شيوخ السلفية الذين يتبعهم عشرات أو ربما مئات الآلاف. يخبر الشيخ أتباعه كيف نصح شابا يجلس بينهم أخبره بأنه يرغب فى الزواج من فتاة متعلمة. باغته الشيخ بسؤال: «اتعاملت مع كام راجل دى؟».
يهلل الأتباع للفطنة المدهشة. يبتسم الشيخ ابتسامة أوسع من ابتسامة إزميرالدا ثم يقول بحكمة: «إوعى تفكر إن نسوان الدنيا دول نسوان». يضحك مريدوه فى جذل وابتهاج وهو يشرح «إذا أعجبتك امرأة فتذكر.. يا بنى دى بتبول وتتبرز. اللى انت بتشتهيه ده محل الحاجات الوحشة». ثم يصفق فى نشوة وابتهاج وهو يصرخ «فى الجنة لا بول ولا براز ولا حيض ولا نفاس. نضافة تااااامة» فيهز أتباعه رءوسهم فى نشوة وطرب.

ماذا كان سيحدث لو كنت قد وضعت اليعقوبى بدلا من إزميرالدا؟ ماذا لو رفعت فيديو الشيخ ببوله وبرازه صباح العيد؟ وكيف تتوقع رد فعل أصحاب الأصوات الغاضبة فى هذه الحالة؟
فكر معى فى الإجابة، وحاول أن تعرف كيف وصلنا إلى هنا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى