Uncategorized

مشاهد من «غزوة» النوادى .. زياد بهاء الدين

العاصفة التى صاحبت انعقاد الجمعيات العامة للنوادى الرياضية فى الأسبوعين الماضيين أظهرت الكثير من الجوانب الإيجابية والسلبية فى المجتمع المصرى، كما كانت مثالا مصغرا لصعوبة إجراء حوار مفيد وصحى حول أى موضوع فى ظل غياب المعلومات السليمة، والاندفاع نحو توجيه الاتهامات، وقلة الثقة فيما تعلنه الدولة.

بداية الموضوع كانت صدور قانون الرياضة الجديد (رقم ٧١) فى ٣١ مايو ٢٠١٧، والذى أعدته وزارة الشباب والرياضة حرصا على التزام مصر بالمواثيق والاتفاقات الدولية التى تلزمنا بوضع إطار قانونى سليم لإدارة الأندية والاتحادات الرياضية. وهذه فى حد ذاتها كانت خطوة ضرورية وايجابية لأن القانون جعل تلك النوادى والاتحادات أكثر استقلالا عما كانت عليه من قبل، ووضع الإطار المؤسسى اللازم لمكافحة استخدام المنشطات والمخدرات، ونظم الاستثمار الخاص فى المجال الرياضى.

أما الأزمة الأخيرة فسببها أن القانون نص فى مادته الرابعة على أن تعقد الجمعية العامة لكل نادٍ رياضى اجتماعا خلال الثلاثة أشهر التالية على تاريخ نفاده (أى قبل ٣١ أغسطس) لإقرار النظام الأساسى الجديد للنادى بما يتوافق مع القانون. ولكى يستحث القانون النوادى على الالتزام بذلك، نص أيضا على أنه إذا انتهت المدة المشار اليها ولم تجتمع الجمعية العامة أو اجتمعت ولم يكتمل نصابها القانونى، يتم العمل بأحكام النظام الأساسى الاسترشادى الصادر من اللجنة الأوليمبية المصرية، على أن يكون للجمعية العامة للنادى أن تعدله فيما بعد وفقا للاجراءات العادية. وبناء عليه أصدرت اللجنة الأوليمبية ثلاث لوائح استرشادية، واحدة للأندية الرياضية وأخرى للأندية التابعة للشركات والنقابات، وثالثة لأندية القوات المسلحة والشرطة، ونشرت كلها فى الوقائع المصرية بتاريخ ٣ يوليو ٢٠١٧. ثم بدأت الجمعيات العامة بالفعل منذ أسبوعين فى الانعقاد، ولم يستكمل بعضها النصاب المطلوب لإقرار لائحة بديلة، فصارت اللائحة الاسترشادية نافذة عليه بقوة القانون. وهنا بدأ أعضاء الأندية الأخرى ينتبهون، فشرعوا فى الدعاية لحضور الجمعيات العامة المتبقية لرفض اللائحة الاسترشادية وإقرار لوائح بديلة. وخلال أيام قليلة تحولت الدعوة إلى حملة، والحملة إلى حشد، والحشد إلى حالة من الغضب والتمرد على ما اعتبره الأعضاء وصاية حكومية، وتدخلا غير مبرر فى شئون الأندية، وتهديدا لمستقبلها.

هذا التحرك فى حد ذاته ــ فى تقديرى الشخصى ــ ظاهرة إيجابية ومشجعة لأنه كشف عن أن الناس لا يزال لديها الاستعداد للمشاركة والتحرك والتنظيم والتصويت حينما يتعلق الامر بموضوع يهمها وبيدها أن تغيره. ولا بأس أن يكون ذلك فى أمر لا يتعلق إلا بمجموعة محدودة نسبيا من المواطنين، وفى شأن يبدو قليل الأهمية مقارنة بالتحديات الكبرى التى تواجه البلد. فالمهم أن يمارس الناس حقهم فى الدفاع عن مصالحهم بالوسائل المشروعة وأن يستعيدوا الثقة فى قدرتهم على التعاون والتغيير، ولو كان مجرد تنظيم الأندية الرياضية.

مع ذلك لم يخلُ المشهد من مظاهر سلبية، أبرزها أن بعضا مما جرى تداوله على صفحات التواصل الاجتماعى لحث الأعضاء على التصويت ضد اللائحة الاسترشادية، وبخاصة ان الغرض منها هو تمكين موظفى وزارة الشباب والرياضة والعاملين فى الأجهزة الرقابية والأمنية من دخول النوادى دون التقيد بالضوابط والشروط العادية، لم يكن صحيحا لأن اللائحة لم تتضمن مثل هذه النصوص. كذلك فقد جرى استخدام خطاب وإيحاءات لا تليق تجاه عموم الشعب المصرى والتهديد بأن الأندية سوف تَكْتَظ بهم فتتحول إلى ساحات شعبية، يسير الأعضاء الجدد فيها بلباس النوم أو ما دون ذلك. وبعيدا عن «خفة الدم» المعهودة، فإن نبرة التعالى والاستهزاء كانت مزعجة للغاية وغير لائقة.

وفى كل الأحوال فإن «غزوة» النوادى ــ كما وصفها بعض المتحمسين ــ عبرت عن تراجع الثقة بين الناس والحكومة، وعدم الاستعداد لتصديق ما يأتى من جانب المسئولين من شرح أو مبررات. وهذا أمر لا يتعلق بوزارة الشباب والرياضة وحدها، بل بالأسلوب الذى تتعامل به الدولة عموما مع المواطنين. وزارة الشباب لم تستهدف هدم النوادى ولا السيطرة عليها ولا الدفع بالآلاف من موظفيها ليكونوا أعضاء فيها على نحو ما ردده المعارضون للائحة الاسترشادية. ولكنها من جهة أخرى لم تحسن إدارة الملف لأن اللائحة الاسترشادية لم تصدر إلا بعد مرور أكثر من شهر من الأشهر الثلاثة المقررة لتوفيق الأوضاع، وكان من الممكن أن ينص القانون على مهلة أطول لدراسة الموضوع والاستعداد له، ولا يبدو أن الوزارة قامت بالجهد الكافى للتوعية باهمية وآثار القانون الجديد إلا بعد فوات الاوان، ولم تستجب بالسرعة الكافية للمخاوف التى عبر عنها الأعضاء وللغضب المتصاعد لديهم والقلق على مستقبل نواديهم.

ومع ذلك فإن حالة الغضب التى اجتاحت أعضاء النوادى الرياضية تجاوزت وزارة الشباب والرياضة، وكشفت عن شعور سائد لدى المواطنين، حتى من أبناء الطبقة الوسطى، بأنهم فى مهب ريح لا يملكون معها شيئا ولا يؤخذ رأيهم فيها. وهذا ما دفع بحالة التمرد تجاه اللائحة الاسترشادية التى صارت فى لحظة واحدة رمزا لكل مصاعب الحياة ومنغصاتها. أحد الأصدقاء الخارجين من خيمة التصويت عبر لى عن سبب رفضه للائحة الحكومية قائلا «الدولة لا تأخذ رأينا ولا تستمع لنا لا فى الغلاء ولا التعليم ولا القمامة ولا المرور ولا المشروعات القومية الجديدة، هذه فرصتى الوحيدة للتعبير عن رأيى ولن أفوتها».

فهل تنصت الدولة لهذا الاحتجاج المحدود وتعى ما يعبر عنه من غضب كامن فى المجتمع؟ أم تستمر فى الاعتقاد بأن سكوت الناس علامة رضاء؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى