مقالات واراء

بصيص أمل فى نقابة الصحفيين

السياسة لم تمت تماما فى هذا البلد.. هناك بصيص أمل، والدليل ما حدث فى انتخابات نقابة الصحفيين طوال يوم الجمعة الماضى واستمر من العاشرة صباحا حتى الثالثة والربع فجرا من صباح أمس السبت.
صليت الجمعة واتجهت لنقابة الصحفيين، وظللت فيها حتى فجر اليوم التالى، باستثناء ساعة واحدة قضيتها فى قناة «إم بى سى مصر» مع ياسمين سعيد، للحديث فى نفس موضوع الانتخابات برفقة الصديق علاء ثابت.
طوال هذا اليوم كان هناك العديد من المشاهد الطيبة تعطى أملا أن هذه النقابة مازالت قادرة على إثارة الدهشة، فى ظل مناخ عام من تبلد الأحاسيس السياسية. ما رأيته يوم الجمعة أكثر من خمسة آلاف صحفى يمثلون أكثر من 65% من الأعضاء المشتغلين، تدفقوا على نقابتهم فى شارع عبدالخالق ثروت، وصوتوا بكامل إرادتهم، من دون ضغط أو إكراه ظاهرين.
طوال الأسبوعين الماضيين تحدثت فى لقاءات تليفزيونية متعددة، وآخرها مع الزميل حمدى رزق على فضائية صدى البلد مساء الخميس الماضى، وقلت بوضوح إنه كلما زاد عدد المصوتين، زادت فرص الزميل عبدالمحسن سلامة على حساب الزميل يحيى قلاش والعكس صحيح.
الحضور ظل ضعيفا حتى الخامسة عصرا، وحينما تحركت الأهرام وحشدت، انقلب المشهد تماما وحقق سلامة فوزا واضحا من الجولة الأولى بفارق 650 صوتا.
البعض تحدث عن عودة الدولة مرة أخرى للحشد، كما كان يحدث قبل عام 2011، لكن إذا كان ذلك صحيحا، فلماذا لم يتم الحشد أيضا فيما يتعلق بالأعضاء؟!
الجمعية العمومية اختارت بكامل إرادتها ممدوح الولى عام 2011 وضياء رشوان فى عام 2013 وفعلت نفس الشىء مع يحيى قلاش فى 2015، وكررته بقوة مع عبدالمحسن سلامة يوم الجمعة الماضى، وبالتالى لا يمكن أن نتحدث عن أن «حشد الدولة» هو سبب فوز عبدالمحسن. ثم إن هذا الزعم يتناقض مع فوز أعضاء لا تكن لهم أجهزة الدولة الكثير من الود.
إذًا هذان أمران لا يجتمعان، والإكثار من هذا الحديث هو أكبر إهانة للجمعية العمومية!
فى الانتخابات الأخيرة كانت هناك ألغاز كثيرة، ويستعجب البعض بأن الجمعية العمومية التى جاءت بعمرو بدر ــ الذى كان مسجونا على قضية مظاهرات تيران وصنافير ــ هى نفسها التى أخرجت يحيى قلاش وخالد البلشى المتهمين بأنهما تسترا على عمرو بدر داخل النقابة فى أزمة مايو الأخيرة. والتفسير السريع هو أن «حشد الأهرام» أنجح عبدالمحسن سلامة وحسين الزناتى ومحمد خراجة، فى حين أن نصف من صوتوا ليحيى قلاش صوتوا فى الوقت نفسه لعمرو بدر ومحمد سعد عبدالحفيظ، إضافة إلى الأصوات الشاردة هنا وهناك. فى حين نجح جمال عبدالرحيم لأسباب كثيرة أهمها «الحشد والتربيط مع كتلة الصعايدة» خصوصا أبناء سوهاج.
الدلالة الأساسية لهذه الانتخابات أن هناك إمكانية للتنافس الشريف والمحترم بين قوى مختلفة وأصوات متعارضة تعمل جميعها تحت لافتة القانون والدستور. ويرتبط بما سبق أن هذه الانتخابات تثبت خطأ مقولة أن المصريين غير مؤهلين للديمقراطية. فالصحفيون جزء من هذا المجتمع، وتمكنوا من إنجاز مشهد محترم غير موجود بقوة فى العديد من المؤسسات والنقابات الأخرى. أيضا كان أهم مشهد هو تهنئة قلاش لسلامة، وقيام الاثنين برفع أيديهما معا. نتمنى تكرار هذا المشهد فى مؤسسات ونقابات مختلفة حتى نبدأ السير فى سنة أولى ديمقراطية. أعرف أن الأمر ليس نموذجيا أو مثاليا، وأعرف أن الصحفيين أكثر وعيا، لكن أمامنا نموذج يمكن تعميمه إذا امتلكنا شجاعة التجريب الجاد فى إطار الدولة الوطنية.
كل التهنئة للنقيب الفائز عبدالمحسن سلامة، وكل التحية للنقيب السابق يحيى قلاش الذى خاض معركة مشرفة، فى إطار ظروف وضغوط صعبة ومعقدة. أسوأ سيناريو أن ينقسم المجلس ويتنافر. وبالتالى فالمهمة الأولى أمام النقيب الجديد أن يسارع لمعالجة كل الجروح التى حدثت خلال المعركة الانتخابية، لأنه يحتاج إلى مساندة الجميع وفى مقدمتهم قلاش لمواجهة التهديدات الخطيرة التى تواجه مهنة وصناعة الصحافة. والخطوة الأولى أمام سلامة هى نزع الألغام الموجودة داخل المجلس، بحيث تكون هناك كتلة متماسكة تستطيع أن تتفاوض مع الجميع من مركز قوة فى إطار التنوع الطبيعى داخل المجلس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى