مقالات واراء

مصر بعيون أمريكية

لأنها كانت جادة وصريحة، فإن المناقشات التى أجرتها لجنة الكونجرس لموضوع المعونة الأمريكية لمصر بدت أمرا مثيرا ومدهشا. أغلب الظن لأن تجاربنا علمتنا ألا نأخذ المناقشات البرلمانية على محمل الجد، وصرنا نعتبرها من قبيل الهرج السياسى، الذى تطلق حلقاته فى الفضاء المصرى بين الحين والآخر. ومن المفارقات ذات الدلالة أن الهرج الذى نمارسه يتم فى جلسات مغلقة نسمع بها ولا نراها. فى حين أن مناقشات الكونجرس العميقة تذاع على الهواء، بحيث يتابع الناس كل وقائعها ويصبحون بمضى الوقت جزءا من حواراتها.
أتحدث عن جلسة الاستماع التى عقدتها إحدى لجان مجلس الشيوخ وجرى بثها يوم الثلاثاء الماضى (٢٥/٤)، وتحدث فيها ثلاثة من خبراء الشأن المصرى، وناقشهم فى المعلومات والأفكار التى عرضوها بقية الأعضاء. كان موضوع المناقشة الأساسى هو جدوى المعونة وحدودها وإلى أى مدى تخدم المصالح الأمريكية وتسهم فى استقرار مصر والمنطقة المحيطة. ولكى يوضع أعضاء اللجنة فى الصورة، فإن المتحدثين الثلاثة قدموا عرضا مفصلا للأوضاع فى مصر، حيث يفترض أن تشكل المعونة (١.٥ بليون دولار) إسهاما أمريكيا فى استقرارها وتحسينها. وهو ما تحرص عليه الولايات المتحدة وترى فيه مصلحة لها.
حين تابعت مناقشات الجلسة على موقع الكونجرس، لفت نظرى أمران، أولهما غزارة ووفرة المعلومات لدى المتحدثين الثلاثة عن مختلف الأوضاع الداخلية فى مصر. وثانيهما أن تقييم المتحدثين على جملته كان سلبيا ومعبرا عن القلق وعدم الاطمئنان إلى المستقبل فى الأجل المنظور. الخبراء الثلاثة الذين تحدثوا هم: توم ميلونيسكى مساعد وزير الخارجية السابق لشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان وإيليوت إبراهام الخبير فى الأمن القومى الذى عمل مع إدارة الرئيس بوش، وميشيل دن الدبلوماسية السابقة وخبيرة الشئون العربية. فى مقدمة الملاحظات التى أبدوها ما يلى:
< أن المعونة كانت تقدم لمصر حين كان لها دورها المؤثر فى العالم العربى، لذلك كان الحفاظ على استقرارها مهما للحفاظ على المصالح الأمريكية. ولأن ذلك الدور تراجع، فإن إعادة النظر فى حجم المعونة يصبح مبررا، كما أنها لم تعد مهمة للحفاظ على العلاقات المصرية الإسرائيلية التى أصبحت الآن قوية بحيث ما عاد واردا أن يؤثر فيها تخفيض المعونة أوحتى قطعها.
< أن إسرائيل سعيدة بالدور الذى تقوم به مصر فى الضغط على حماس، كما أنها تتعاون مع مصر فى موضوع مكافحة الإرهاب بسيناء.
< شدد المتحدثون على موضوع القيود على الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان فى مصر. وقال توم ميلونيسكى إنه طاف العالم بحكم عمله فى الموضوع، ووجد أن مصر من أصعب الدول أثناء التفاوض فى الموضوع، لأنها تحرص دائما على التغطية على مشاكلها وممارساتها رغم وجود ٦٠ ألف شخص فى السجون والمعتقلات المصرية.
< تطرقت المناقشات إلى السياسات الداخلية، وقالوا إنها تساعد على الإرهاب ولا تكافحه. وذكروا فى هذا الصدد أن فكرة تصنيف الإخوان جماعة إرهابية غير صائبة وتعد انتصارا لداعش، خصوصا أن المعايير الأمريكية للإرهاب لا تنطبق على الإخوان.
< تطرقت المناقشات أيضا إلى موضوع المساعدات الخليجية لمصر وأوجه إنفاقها، وتساءل أحد المتحدثين، هل مصر بحاجة إلى دبابات أم إلى مدارس، وكان ذلك فى سياق انتقاد أولويات مشروعات السلطة المصرية.
< احتل موضوع سيناء حيزا معتبرا فى المناقشة. وفى هذا الصدد ذكر أن الولايات المتحدة تراقب ما يجرى هناك ضمن تتبعها لتمدد الأنشطة الإرهابية. وقيل إن السلطات الأمريكية عرضت على المصريين اقتراحا بإرسال وفد لتحرى الوضع على الطبيعة، لكن القاهرة لم تتحمس للفكرة.
< أثيرت أيضا مسألة حروب الجيل الرابع التى تم تداولها فى مصر، واعتبر بعض المتحدثين أنها فكرة تحرض ضد الولايات المتحدة والدول الغربية وتتهمها بالتآمر على مصر، فى الوقت الذى تقف فيه واشنطن إلى جوار مصر.
الشاهد أن أعضاء الكونجرس الذين اشتركوا فى المناقشة لم يكونوا معارضين لمصر رغم انتقادهم لنظامها. وإنما أرادوا أن يطمئنوا إلى أن المساعدات التى تقدمها بلادهم لمصر تنفق فى الاتجاه الصحيح الذى يخدم الاستقرار، وتوظف فى خدمة النهوض بالمجتمع والدفاع عن الديمقراطية وقيمها.
ليتنا نعرض شريط الجلسة على شاشة إحدى قنواتنا التليفزيونية، لكى يدرك المصريون كيف يرى واقعهم من الخارج. أما إذا تعذر ذلك للأسباب التى نعرفها، فليتنا نتيح لأعضاء مجلس النواب أن يشاهدوه لكى يتعلموا منه كيف يكون الدعم الحقيقى لمصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى