Uncategorized

مركز الأزهر للفتوى: الاحتفال بالمولد النبوي «جائز».. وأدلة مشروعيته وردت في الكتاب والسنة واتفاق علماء الأمة.. والغناء والإنشاد «مظاهر مشروعة» وتدل على إظهار الفرحة بمجيء نبي الإسلام إلى الدنيا

معركة جدلية كبرى تُثار في مطلع ربيع الأول من كل عام هجري، وذلك بالتزامن مع ذكرى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث يؤكد العلماء أن هذا الاحتفال مشروع بالأدلة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية واتفاق علماء الأمة؛ بينما ذهب آخرون إلى عدم مشروعية الاحتفال واصفين إياه بـ«البدع المنكرة» التي يجب على أهل الإسلام تركها.

ومن منطلق دوره في تصحيح المفاهيم الخاطئة، وإظهار صورة الإسلام الوسطي، وتصحيح مسار الفتوى وتنقيتها من كل أقوال شاذة ومتطرفة، أعد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، تقريرًا أجاب من خلاله عن الأسئلة التي تشغل أذهان العامة في هذه المسألة، موضحًا حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وحكم الذكر الجماعي والإنشاد والغناء وجميع المظاهر التي اعتاد ملايين المسلمين المجيء بها إظهارًا لبهجتهم وفرحتهم بيوم مولد النبي – صلى الله عليه وسلم.

القرآن الكريم
في البداية يؤكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مشروع بالأدلة الصحيحة التي وردت في الكتاب والسنة وباتفاق علماء الأمة، وأن أي أقوال من شأنها تحريم الاحتفال بهذا اليوم المعظم هى مخالفة للصحيح وخروج على الإجماع؛ مشيرًا إلى أن الاحتفال بيوم مولد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مظهر من مظاهر تعظيمه، وعلامة من علامات محبته، ومن المعلوم أن تعظيم النبي ومحبته أصل من أصول الإيمان، وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».

والدليل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من القرآن الكريم، قوله تعالى في سورة إبراهيم: «وذَكِّرهم بأَيامِ اللهِ»، ولا شك أن أعظمُ أيام الله قدرًا هو يوم مولده صلى الله عليه وسلم، ومن أدلة مشروعية الاحتفال أيضًا من القرآن الكريم قوله تعالى في سورة يونس: «قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا»، قال عبد الله ابن عباس، في تفسيره لهذه الآية: (فضلُ الله: العلمُ، ورحمتُه: مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين»).

وقد كرَم الله تعالى الأيام التي ولد فيها الأنبياء – عليهم السلام – وجعلها أيام سلام، فقال سبحانه في سورة مريم: «وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ»، ومن المعلوم أن في يوم الميلاد نعمة الإيجاد، وهى سبب كل نعمة بعدها، ولا شك أن يوم ميلاد النبي – صلى الله عليه وسلم – سببُ كل نعمة في الدنيا والآخرة.

السنة ورأي العلماء
أما الدليل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من السنة النبوية المطهرة، ما رواه الإمام مسلم في صحيحه من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سُئِل عن صوم يوم الاثنين، فقال: «ذاكَ يَومٌ وُلِدتُ فِيهِ»، وهذا إيذانُ بمشروعية الاحتفال بيوم مولده.

ونقل الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي، في كتابه «الباعث على إنكار البدع والحوادث»، اتفاق علماء الأمة على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث قال: «فالبدع الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها، ومِن أحسن ما ابتُدِع في زماننا من هذا القبيل ما يُفعَل كلَّ عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور؛ فإن ذلك – مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء – مشعرٌ بمحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله، وشكرًا لله تعالى على ما منَّ به مِن إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين».

كما نقل أيضًا الحافظ السخاوي في كتابه «الأجوبة المرضية»، اتفاق علماء الأمة على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فقال: «ما زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن العظام يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وآله وسلم وشرَّف وكرَّم يعملون الولائم البديعة، المشتملة على الأمور البهجة الرفيعة، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرّات، بل يعتنون بقراءة مولده الكريم، وتظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم، بحيث كان مما جُرب».

وكتب جَمْعٌ من علماء ومُحَدِّثي وفقهاء الأمة، مؤلفات بينوا فيها بالأدلة الصحيحة مشروعية الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، ومنهم: الحافظ ابن دحية في كتابه «التنوير في مولد البشير النذير صلى الله عليه وسلم»، والإمام العلائي في كتابه «الدرة السنية في مولد خير البرية صلى الله عليه وسلم»، والحافظ العراقي في كتابه «المورد الهني في المولد السني»، والحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه «مورد الصادي في مولد الهادي صلى الله عليه وسلم»، والحافظ الناجي في كتابه «كنز الراغبين العفاة في الرمز إلى المولد المحمدي والوفاة»، والإمام السيوطي في كتابه «حسن المقصد في عمل المولد».

الذكر الجماعي
كما يؤكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أنه فيما يتعلق بحكم اجتماع الناس على الذكر والإنشاد والغناء في مدح النبي – صلى الله عليه وسلم – والثناء عليه، ومدارسة سيرته، وإطعام الطعام، ونحو ذلك من المظاهر التي شأنها إظهار البهجة والفرحة بيوم مجيئه – صلى الله عليه وسلم – إلى الدنيا، والإعلان عن محبته – صلى الله عليه وسلم، فهذه كلها أفعال ومظاهر مشروعة ولا شئ فيها، لأنها المراد من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.

وما درج المسلمون على فعله عبر مختلف العصور والأزمنة، وما نص عليه المؤرخون كالحافظ «ابن الجوزي» و«ابن دِحية» و«ابن كثير» و«ابن حجر» و«السيوطي» وغيرهم، يُعلم منه أن الغناء والإنشاد في هذا اليوم مشروع ولا شئ فيه، وأن إحياء ليلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، يكون بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام والصيام والقيام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم.

ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إذ يجيب في تقاريره – الصادرة على مدار الساعة – عن كل ما يدور بأذهان المسلمين في شتى بقاع الأرض فيما يتعلق بمجال الفتوى، بُغية تصحيح مفاهيم مغلوطة وردًا على فتاوى شاذة ومتطرفة عانى منها المسلمون سنواتٍ طوال، فإنه في الوقت ذاته يهيب بأبناء الأمة ألا يجعلوا المسائل الخلافية التي لا إنكار فيها مثار فُرقة وخلاف بينهم، لأنه من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى إذا شرع أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثر من وجه فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته، ولا يصح تقييده بأي وجه دون دليل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى