Uncategorized

أردوغان يخوض حربا ضد الحقيقة.. الرئيس التركي يحمل العالم مسئولية فشل سياساته الاقتصادية.. الليرة ضحية نظرياته المزعومة.. وسلطاته المتعاظمة تسد طريق الخروج من الأزمة

“أفضل طريقة للتعرف على الاقتصاديات الفاشلة هي عندما نسمع المسئولين عن هذه الاقتصاديات يتهمون العالم بخوض حرب اقتصادية ضد بلادهم”، على هذا الضوء فسرت صحيفة “واشنطن بوست” تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يحمّل العالم مسئولية التدهور الاقتصادي الذي تشهده تركيا مؤخرًا.

وقالت الصحيفة إن أردوغان أجبر البنك المركزي التركي على خفض معدلات الفائدة، ما أدى إلى زيادة معدل التضخم إلى 15.9% مقارنة بسقف 5% كان البنك المركزي يخطط لإبقاء التضخم تحته، لكن الرئيس التركي يصر على المضي في هذه السياسات، إلى أن ينتهي به الأمر عالقًا في أزمة لا فكاك منها.

وأوضحت أن البنوك والشركات التركية اقتضت مبالغ طائلة بالدولار، حتى بلغ حجم الدين بالعملات الأجنبية 30% من الناتج المحلي الإجمالي، لكنها تتعثر حاليًا في سداد ديونها مع فقدان الليرة التركية جزءًا معتبرًا من قيمتها.

وفقدت الليرة التركية منذ بداية العام الحالي 27.7% من قيمتها أمام الدولار، ويعود جزء من الأسباب في ذلك إلى عامل خارج عن إرادة تركيا، وهو ارتفاع معدل الفائدة في الولايات المتحدة، الأمر الذي زاد من الميل إلى الادخار وارتفاع قيمة الدولار إزاء سائر العملات، أما السبب الآخر الخاص بتركيا فهو فرض الولايات المتحدة عقوبات على مسئولين أتراك، الأمر الذي أثار مخاوف المستثمرين بشأن احتمال إغلاق الطريق أمام تركيا للنفاذ إلى أسواق الديون الدولية، بجانب سياسات أردوغان الاقتصادية التي تقوض جاذبية بلاده للاستثمار.

وقد أدى كل ذلك إلى تسابق الأتراك على تحويل مدخراتهم من الليرة إلى العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار، ونجم عن ذلك بدوره مزيد من التراجع في قيمة الليرة بسرعة لم تشهدها أي عملة أخرى باستثناء عملات دول مستنزفة اقتصاديًا مثل إيران والأرجنتين وفنزويلا.
وأكدت أن العلاج الوحيد الممكن لليرة والاقتصاد التركي ككل هو رفع أسعار الفائدة.

وشرحت الصحيفة أن بعض الدول التي تسعى إلى رفع قيمة عملتها من خلال رفع أسعار الفائدة تجد نفسها أحيانًا في موقف يضطرها لتعزيز النمو من خلال خفض أسعار الفائدة، لكن ليست هذه هي المعضلة التي تواجهها تركيا، فهي بحاجة فقط إلى رفع أسعار الفائدة من أجل كبح التضخم وتقليص عجز الحساب الجاري، والأمر كله يتوقف فقط على قرار سياسي من أردوغان لا يرغب في اتخاذه.

وأضافت أن أردوغان يهدد ويتوعد “لوبي رفع أسعار الفائدة”، كونه يرى الفائدة بمثابة أصل كل الشرور الاقتصادية في بلاده، وقد راح يحتكر لنفسه سلطات متعاظمة عامًا بعد عام حتى وصل إلى وضع يمكّنه من منع البنك المركزي من التحكم في أسعار الفائدة، وحتى بالرغم من ذلك فهو لا يزال يرى أن البنك المركزي يتمتع بقد من الاستقلال لا يستسيغه هو، وقد جهر بصراحة إبان حملته الانتخابية الأخيرة بأن البنك المركزي “لا يمكن أن يتمتع بكل هذا القدر من الاستقلال بحيث يتجاهل تعليمات رئيس الجمهورية”.

والأكثر من ذلك أن أردوغان استغل فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في يونيو الماضي ليستولي على سلطة تعيين محافظ البنك المركزي، وقام بتعيين صهره وزيرًا للمالية، وكانت النتيجة هي وجود جهاز لصنع السياسة طيع وخاضع لأردوغان، لبى رغبته في منع رفع أسعار الفائدة، وأدى هذا بدوره إلى قفز معدل التضخم فوق المعدل المخطط له.

وتابعت الصحيفة أن تركيا ماضية في تجربة نظرية أردوغان العجيبة والمخالفة لكل الأدلة الثابتة، والتي تزعم أن خفض معدل الفائدة يؤدي إلى خفض التضخم، ويبدو أن أمد هذه التجربة سيطول، وهذا هو السر وراء ادعاء أردوغان أن بلاده تتعرض لحرب اقتصادية، مطالبًا أبناء شعبه ببيع ما لديهم من دولارات من أجل دعم الليرة، بدلًا من اللجوء إلى الحل الأكثر منطقية برفع سعر الفائدة.

ويقدّر بنك “جولدمان ساكس” أنه إذا هبطت الليرة من قيمتها الحالية عند 5.2 ليرات أمام الدولار إلى 7.1 ليرات أمام الدولار – أي بقيمة 25% – فإن هذا كفيل بالتهام جميع فوائض رؤوس الأموال التي تحتفظ بها البنوك التركية كحواجز احتياطية، وصحيح أن البنوك التركية لن تنهار عند بلوغ هذه النقطة، لكنها ستكون عالقة في مشكلة عويصة حقيقية، فالشركات التركية التي اقترضت الدولارات من البنوك قد تتعثر في التسديد، ما سيؤدي إلى مزيد من الهبوط في قيمة الليرة، وهو ما سيؤدي بدوره إلى مزيد من تعثر الشركات في التسديد، وهكذا دواليك في حلقة مفرغة.

وهذه النقطة الأخيرة هي ما تسبب قلقًا حقيقيًا في الأسواق التركية، فالأسهم والسندات والعملة تدهورت قيمهم كثيرًا في الفترة الأخيرة، وهي إشارة إلى خسارة أردوغان “الحرب الاقتصادية” التي يزعم أنه يخوضها، بينما هي في الواقع حرب ضد الحقيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى