Uncategorizedالسلايدر

ذكرى “عيد الجلاء” اليوم.. مناسبة للتأكيد على الالتفاف المجتمعى كجدار صلب وحائط صد في المعارك

معارك كثيرة كتب على مصر أن تخوضها منذ فجر التاريخ ، وفى كل منها يؤرخ التاريخ للهوية المصرية بسخاء النفس والتضحية بالنفيس من أجل الحفاظ على الأرض والعرض، فمصر بالنسبة لأبنائها الأبطال ليست أرض يقاتلون عليها فحسب، وإنما جزء من كرامتهم الوطنية، فلا يسمحوا لأحد بالإقتراب منها مهما كان الثمن، ولايفرطون فى حبة رمل من أرضها.
واليوم ( الخميس ) تحل ذكرى واحدة من معارك مصر الخالدة ، حيث كانت رمزا لصمود الشعب المصري ، فأستحقت بجدارة أن تكتب فى التاريخ تحت عنوان “عيد الجلاء” ، لأنها تؤرخ لجلاء أخر جندي بريطاني عن الأراضى المصرية فى عام 1956، تنفيذا لاتفاقية الجلاء الموقعة بين مصر وبريطانيا في 19 أكتوبر عام 1954 ، بعد أن دفع الألاف من الشهداء دمائهم الذكية على مدى طريق طويل من النضال والتضحيات ثمنا لهذا الجلاء .
وعيد الجلاء هو مناسبة للتأكيد على الالتفاف المجتمعى كجدار صلب وحائط صد فى المعارك ، فقد حققت مصر انتصارا فى هذا التاريخ بجلاء الإنجليز عن قاعدة قناة السويس، التى كانت أكبر قاعدة حربية لبريطانيا في الشرق الأوسط، لإمتدادها بطول القناة من بور سعيد شمالا إلى ميناء “الأدبية” على خليج السويس جنوبا ، وكان الإنجليز قد أقاموا على طول القناة سلسلة من الاستحكامات والمطارات والمنشآت العسكرية، واتخذوا مقرا رئيسيا لهذه القاعدة في “فايد” وجعلوا من أبو سلطان مستودعا للذخيرة والمفرقعات، وأقاموا بأبو صوير المطار العسكري المشهور، وأقاموا المعسكرات في التل الكبير.
وتسلمت مصر بموجب اتفاق الجلاء الموقع بين مصر وبريطانيا منشآت تقدر قيمتها فى ذلك الحين بنحو ستين مليون جنيه، شملت 23 منشأة و10 مطارات كاملة، منها مطار أبو صوير ومطار الدفرسوار الواقع في الركن الشمالي الغربي للبحيرة المرة الكبرى بجوار القناة، وبيت البحرية ببور سعيد، وميناء الأدبية بخليج السويس، ومعسكرات الإسماعيلية وما جاورها، ومعسكرات التل الكبير، ومعسكر الشلوفة، وثكنات ومبان ومصانع ومخازن وورش ومحطات توليد الكهرباء ووابورات للمياه وسكك حديدية وقاطرات وكباري، وأرصفة الموانئ، وخط أنابيب البترول بين السويس والقاهرة وتقدر قيمته بمليونين ونصف مليون جنيه.
ويعيد إحياء “عيد الجلاء ” فى يوم ١٨ يونيو من كل عام إلى الذاكرة صور خروج قوات الاحتلال البريطاني من مصر بعد احتلال استمر أكثر من 73 عاما ، وكذلك صور نضال الشعب المصري وتضحياته التي تعيش في وجدان المصريين جيل بعد جيل ، من ثورة عرابي ضد غزو الاساطيل والجيوش البريطانية، وثورة 1919 الوطنية التي قادها سعد زغلول، وانتفاضة الشعب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وإضراب جميع الطوائف بمن فيهم ضباط الشرطة الذين اعتصموا بنواديهم في أكتوبر عام 1947 وأبريل عام 1948، والكفاح المسلح ضد القوات البريطانية في قناة السويس فور رفع الاحكام العرفية بعد انتهاء حرب فلسطين، وانتهاءً باستمرار هذا الكفاح بعد قيام ثورة ٢٣ يوليو عام 1952، إلى ان تحقق الجلاء فى يوم 18 يونيو 1956.
وعند قيام ثورة 23 يوليو عام 1952، كان من أبرز ثمارها انضمام الجيش إلى الشعب في معركة التحرير والجلاء، فاشتد ساعد مصر بانضمام قواتها المسلحة إلى قوى الشعب المكافح ، ورأى الإنجليز أن في انضمام هاتين القوتين العظمتين، واتحادهما في ظل الثورة، ما يجعل بقاء الاحتلال في أية بقعة من أرض الوطن أمرا مستحيلا ولا مناص من الجلاء عن منطقة القناة.
في عام 1953 رسمت حكومة الثورة خطوط الكفاح، وأمدته بالعون والتنظيم ، وفى ٢٧ إبريل عام ١٩٥٣ عقد في مقر مجلس الوزراء المصرى أول اجتماع لمباحثات الجلاء، مع الجانب البريطاني، الذي أبدى في أول الأمر، مراوغة وإصرارا على البقاء، فتوقفت المباحثات في مايو 1953 ، ولجأ الجانب البريطاني إلى التهديد والوعيد، ونصحت بريطانيا رعاياها بالرحيل عن البلاد، وفى شهر يوليو عام ١٩٥٣ تأزم الوضع وتوتر ، إذ أنذر قائد القوات البريطانية “الجنرال فستنج” الحكومة المصرية بأنه إذا لم يعد أحد رجال الطيران المختفي، ويسمى “رجدن”، في موعد أقصاه الساعة التاسعة، من صباح الاثنين 13 يوليو يتم إتخاذ إجراءات شديدة، من شأنها إحداث حالة ذعر بين المدنيين المصريين في الإسماعيلية.
وبرفض الإنذار ، تحرش الجنود البريطانيين بسكان مدينة الإسماعيلية ، بهدف زلزلة ثقة الشعب المصرى في الثورة، وإظهار عجزها عن معالجة قضية الجلاء ، واشتدت الإجراءات التي اتخذها الإنجليز في المدينة ، من تفتيش الوافدين إليها والخارجين منها بطريقة مستفزة ، واحتل الإنجليز بعض نقاط في مداخل الإسماعيلية، في أغسطس عام 1953، زار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مدينة بورسعيد ، ودعا الشعب من جديد إلى التضحية والكفاح وقال مخاطبا المواطنين “إن مصر متكاتفة معكم لإجلاء قوات الغاصب، حتى يغادر بلادنا، آخر جندي أجنبي من قوات الاحتلال”.
ونظمت الثورة المقاومة المسلحة في القناة، فازدادت حوادثها ضد الإنجليز، وفي نوفمبر عام 1953، قدمت السفارة البريطانية إلى مصر احتجاجا على زيادة عدد الحوادث في المنطقة ، واطمأنت بريطانيا فى ذلك الحين إلى مؤازرة أمريكا لها في سياستها نحو مصر، فأمعنت في الإصرار على العدوان، واجتمع مؤتمر لأقطاب الغرب، في “برمودة” في ديسمبر عام 1953 بحضور رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، ووزير خارجياه أنتوني إيدين ، وجوزيف لانييل، رئيس وزارء فرنسا، والرئيس الأمريكي ايزنهاور، وجون فوستر دلاس وزير خارجيته، وبحث المؤتمر تنسيق جهود الدول الثلاث، وتسوية مشاكلها الاستعمارية، وكان الظن أن تثار مسألة الجلاء عن مصر في هذا المؤتمر، ولكن أحدا من ممثلي الدول المجتمعة لم يتمسك بحل هذه المسألة، لصالح مصر، كوسيلة لحفظ السلام، في الشرق الأوسط.
وفي أواخر ديسمبر عام 1953، وأوائل عام ١٩٥٤ حدثت حركة واسعة داخل معسكرات القناة ، و تعددت الحوادث ضد الجنود الإنجليز، وأعلن الوزير البريطانى سلوين لويد في مجلس العموم، أنه من المستحيل الوصول إلى اتفاق مع مصر، ما دامت هذه الحوادث مستمرة ، مشيرا إلى إحتفاء جنود بريطانيين في القناة ، وفي مارس من نفس العام تجددت حوادث القناة، وقدم السفير البريطاني احتجاجا على مصرع ضابط بريطاني، وإصابة ضابط آخر في القناة. وأعلن وكيل وزارة الخارجية البريطانية، في مجلس العموم، في مايو عام 1954، أنه وقع 52 حادث اعتداء، على الرعايا البريطانيين، في منطقة القناة، في غضون الأسابيع الستة الماضية.
وفي يونيه عام 1954، إكد سلوين لويد، في مجلس العموم، أن مستقبل المفاوضات، بين مصر وبريطانيا، يتوقف على مدى تعاون مصر في الكشف عن المسئولين، في الحوادث التي وقعت في منطقة قناة السويس ، وفى ذات الوقت أعلنت الدوائر الرسمية الأمريكية أنها تؤيد موقف بريطانيا، من مصر، وقال جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكية إنه لا يستطيع انتهاج سياسة مستقلة، عن بريطانيا وفرنسا، في الشرق الأوسط.
بقيت الجبهة الداخلية متماسكة، مما فوت على الإنجليز فرصة التدخل أو الإصرار على بقاء الاحتلال ، وفي ذلك قال الرئيس جمال عبد الناصر “وقعت المعركة فعلا على أرض منطقة القناة ، وبالأيدي المتحدة القوية ، وبالدم الذكى الذي سال في منطقة القناة، وقعنا اتفاقية الجلاء وانتصرنا في حرب الاستقلال”.
واستؤنفت المباحثات، في يوليه عام 1954 ، ومثل الجانب المصري فيها جمال عبد الناصر، وعبدالحكيم عامر، وعبداللطيف البغدادي، وصلاح سالم، ومحمود فوزي ، فيما مثل الجانب البريطاني رالف ستيفنسون السفير البريطاني في القاهرة ، وميجر بنسون القائد العام للقوات البريطانية، في منطقة القناة، ورالف موري، الوزير المفوض في السفارة البريطانية، وأنتوني هيد، وزير حربية بريطانيا المساعد لشئون الشرق الأوسط .
وانتهى الطرفان إلى إبرام الاتفاقية الأولى التي تضمنت المبادئ الرئيسية للاتفاق النهائي المقترح إعداده لتنظيم الجلاء، ووقعها الطرفان بالأحرف الأولى، في 27 يوليه عام 1954، بقاعة الاجتماعات بدار مجلس الوزراء، ووقعها عن الجانب المصري، الرئيس جمال عبدالناصر، وعن الجانب البريطاني المستر أنتوني هيد وزير الحربية البريطانية ، وفي 19 أكتوبر عام 1954، تم إبرام عقد الاتفاق النهائي التفصيلي المتضمن لتنظيم عملية الجلاء وأحكامها ، وكان رئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل يعارض دائما مسألة الجلاء عن مصر ، ولكنه اضطر تحت ضغط الظروف والتطور أن يذعن لإرادة الشعب المصري، وكان أنطوني إيدن وزيرا للخارجية، وقد قال في صدد الاتفاق على الجلاء: “إن الجلاء عن قاعدة قناة السويس أفضل بكثير من الإبقاء على ثمانين ألف جندي محاصرين من شعب معاد لهم”.
وجاء فى وثيقة اتفاق الجلاء النهائي أولا : إنه تقرر جلاء القوات البريطانية جلاء تاما عن الأراضي المصرية خلال فترة عشرين شهرا من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق ، ثانيا : انقضاء معاهدة التحالف الموقع عليها في لندن في 26 أغسطس عام 1936 وكذلك المحضر المتفق عليه والمذكرات المتبادلة والاتفاق الخاص بالإعفاءات والميزات التي كانت تتمتع بها القوات البريطانية في مصر وجميع ما تفرع عنها من اتفاقات أخرى.
ثالثا: تبقى أجزاء من القاعدة التي كانت للإنجليز في قناة السويس في حالة صالحة للاستعمال، معدة للاستخدام، وفي حالة وقوع هجوم مسلح من دولة من الخارج على أي بلد يكون طرفا في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية أو على تركيا، تقدم مصر لبريطانيا التسهيلات الازمة لتهيئة القاعدة للحرب وإدارتها، وتتضمن هذه التسهيلات استخدام الموانئ المصرية في حدود ما تقتضيه الضرورة القصوى ، وفي حالة حدوث تهديد بهجوم مسلح من دولة من الخارج على أي بلد طرف في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية أو تركيا، يجري التشاور فورا بين مصر وبريطانيا.
رابعا: تقرر الحكومتان المتعاقدتان أن قناة السويس البحرية التي هي جزء لا يتجزأ من مصر ـ طريق مائي له أهميته الدولية من النواحي الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية، وتعربان عن تصميمهما على احترام الاتفاقية التي تكفل حرية الملاحة في القناة الموقع عليها في الأستانة في 29 أكتوبر عام 1888.
خامسا: لا يمس هذا الاتفاق سبع سنوات من تاريخ توقيعه، وتتشاور الحكومتان خلال الاثنى عشر شهرا الأخيرة من تلك المدة لتقرير ما قد يلزم من تدابير عند انتهاء الاتفاق، وعلى بريطانيا أن تنقل أو تتصرف فيما قد يتبقى لها وقتئذ من ممتلكات في القاعدة ما لم تتفق الحكومتان على مد هذا الاتفاق.
واليوم وأمام الكثير من المعارك والحروب المتنوعة التى تخوضها مصر يتحتم الالتفاف المجتمعى حول القائد فهو مطلوب كى يُعيد الوعى الجمعى للمجتمع ، فيكون جدارا صلبا وحائط صد تتساقط عليه الأوهام والمزاعم ويتحطم على صخرته الارهاب الأسود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى