مقالات واراء

الأمريكيون يسلحون داعش .. عماد الدين حسين

محمد السلام كان يعمل حتى وقت قريب مسئولا عن الأمن فى قاعدة التنف التابعة للقوات الأمريكية فى جنوب سوريا، السلام تحدث يوم الخميس الماضى إلى وكالة سبوتنك الروسية، وقال: إن مهند الطلاع، قائد فصيل «مغاوير الثورة» المعارض والمدعوم من قبل الأمريكيين، كان يبيع الأسلحة التى يحصل عليها من الأمريكيين إلى تنظيم داعش الإرهابى.
قد لا يكون الكلام السابق خطيرًا على أساس أى عدد من المسلحين والتنظيمات الذين يقاتلون الجيش السورى، مجرد مرتزقة يعملون بأجر لأجهزة مخابرات أو دول، لكن الأخطر فى كلام السلام أنه قام بإبلاغ الجانب الأمريكى، بكل ما يؤكد أن الطلاع يبيع الأسلحة لداعش، وكانت المفاجأة أنهم وبدلا من القبض عليه ومحاكمته أو قتله! فإن الجانب الأمريكى ازداد تمسكا بهذا الشخص!!.
السلام قال أيضا إن الأمريكيين طلبوا من السوريين الموجودين فى قاعدة التنف محاربة الجيش السورى بدلا من داعش، لكن غالبيتهم رفضوا ذلك، وأخبروا الأمريكيين بأن هدفهم الأساسى هو القضاء على داعش.
حتى وقت قريب كنت أتشكك فى كل ما يقال عن الدور الأمريكى فى ديمومة ظاهرة داعش، لكن من الواضح أن الوقائع بدأت تتوالى للتدليل على دور أمريكى إجرامى ليس فقط فى صنع داعش، ولكن أيضا فى استمرارها كى تظل المنطقة تنزف وتغرق فى الصراعات الطائفية والعرقية بحيث تكون إسرائيل هى المستفيد الأكبر.
قبل أكثر من عام تحدث قادة بارزون فى «الجيش السورى الحر» المعارض لصحيفة فرنسية فى تحقيق استقصائى مثير، بأنهم قدموا كل المعلومات للجيش الأمريكى عن تحركات داعش قبل حدوثها، ومنها مثلا توجههم لاحتلال تدمر، لكن الجيش الأمريكى لم يحرك ساكنا وكان يتعلل بحجج كثيرة كى لا يقوم، بقصف قوافل وتحركات داعش وهى فى الصحراء متوجهة لاحتلال هذه المدنية أو تلك.
وقبل أسابيع كتب المحلل الأمريكى البارز فى النيويورك تايمز توماس فريدمان ينصح إدارة ترامب بعدم التورط فى قتال داعش فى سوريا، حتى لا تقدم هدية على طبق من ذهب إلى بشار الأسد، بل الأفضل من وجهة نظره هو ترك الطرفين يستنزفان بعضهما البعض.
ويقال: إن نفس النصيحة قدمها وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر إلى صانعى القرار فى البيت الأبيض، ولكنه أضاف إلى الأسباب ضرورة استنزاف إيران، كى لا تتحول إلى قوة مهيمنة فى المنطقة، إذا تم القضاء على داعش وأمثالها.
بعد كل هذه الوقائع، فقد بات من الواضح أن ما أعلنته الولايات المتحدة من تكوين تحالف دولى للقضاء على داعش فى صيف عام ٢٠١٤، لم يكن سوى ستارة للتغطية على هدف عكسى تماما، وهو تقوية داعش لتتحول إلى «كعب آخيل» لتفكيك المنطقة.
وللموضوعية فلم تكن الولايات المتحدة وإسرائيل هما المجرمان الوحيدان فى هذا الصدد، لكن إيران ربما تكون قد مارست نفس الدور، ولكن بصورة أكثر حرفية وخبثًا، اعتمادًا على مبدأ «التقية» الذى تجيده منذ زمن.
العديد من قادة تنظيم القاعدة، الذى صار لاحقًا «النصرة» ثم «فتح الشام»، ظلوا مقيمين فى إيران بعد خروجهم من أفغانستان، وتحركاتهم ظلت تحت أعين أجهزة الأمن الإيرانية، وهناك اعتقاد أنه لولا داعش، وتركها تتغول وتتعملق، ما كان يمكن لإيران أن تحتل العراق فعليًا، وتدخل إلى سوريا بالشكل الذى تم لاحقًا.
للمرة المليون: هل نلوم أمريكا وإسرائيل وإيران على عربدتهم وعبثهم فى المنطقة، أم نلوم حكومات المنطقة وشعوبها، الذين هيأوا كل الأوضاع لدخول كل من هب ودب إلى المنطقة؟!
قد تكون داعش وأمثالها نشأت، ليس بسبب فقط السياسات الأمريكية واحتلالها للعراق، لكن لأسباب تتعلق بالتربة المهيئة لذلك، خصوصًا فما يتعلق بالاستبداد والفقر والظلم وغياب الحريات وحقوق الإنسان، لكن المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبعض القوى الدولية والإقليمية والمحلية تستغل ظاهرة داعش، لكى تدمر المنطقة وتفككها.
مرة أخرى لا نستطيع أن نلومهم، بل علينا أن نلوم أنفسنا وجهلنا وتخلفنا واستبدادنا الذى لولاه ما حدث لنا كل ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى